بما اننا متأكدون ان المقالة ستعجبك، اضغط "لايك" من الآن :)






“الحروب الصليبيّة”: دراما وثائقيّة لا تكتفي باستعراض التاريخ

يمكن أن نعدّ سلسلة الأفلام الوثائقيّة التي بثّتها قناة الجزيرة الوثائقيّة، مؤخّرًا، تحت عنوان ‘الحروب الصليبيّة‘، واحدة من أهمّ الأعمال الوثائقيّة الدراميّة التاريخيّة العربيّة، وهي تأتي في سياق الثورات المضادّة للربيع العربيّ الذي انطلق عام 2011، لتطرح فكرة جمع أشتات أمّة منهكة، ودول تتداعى، لتكون بذلك معالجة للواقع من خلال التاريخ.

ملاحظة: لمشاهدة السلسلة بحلقاتها الأربعة، في آخر المقالة.

التسمية

جاء في السلسلة أنّ مصطلح “الحروب الصليبيّة” لم يطلق عليها إلّا نهاية القرن الثاني عشر، أي بعد قرابة الـ 100 عام من انطلاقها، فقد كانت تُسمّى وفق المراجع الأوروبيّة بـ “حروب الربّ”، أو “ميليشا الربّ”، أو “الحجّ”، أو غيرها، حتّى ظهر مصطلح “الموسوم بالصليب” في ألمانيا، ومنه تطوّر مصطلح “الحروب الصيلبيّة”.

أمّا المؤرّخون المسلمون، فقد أطلقوا عليها “حروب الإفرنج”، كونها انطلقت من بلاد فرنسا بداية، ولإدراكهم أنّها حرب تستغلّ الدين المسيحيّ لتحقيق أهداف توسّعيّة اقتصاديّة، إضافة إلى كون المسيحيّين المشرقيّين جزءًا من سكّان المنطقة ونسيجها الحضاريّ، ولأنّهم وقعوا ضحيّة هذه الحروب، بل طُردوا مع المسلمين واليهود من القدس لدى احتلالها.

دراما

السلسة التي وقعت في أربعة أجزاء، خرجت إلى النور بعد ثلاث سنوات من البحث والإعداد والإنتاج، وفق مخرجها، عبد الرحمن عادل، وهو جهد تبدو معالمه واضحة للمشاهد، الذي يحظى  بسرد تاريخيّ محكم في قالب دراميّ جذّاب ومتقن. ولعلّ السلسة استطاعت، بذلك، أن تكون أوّل سلسلة أفلام وثائقيّة عربيّة ضخمة، تعتمد اعتمادًا كلّيًّا على المشاهد الدراميّة ومحاكاة الواقع، مستعينة بالمجسّمات، والغرافيك، والمواقع التاريخيّة، وقد رُسمت مشاهدها على 250 لوحة متخيّلة (Story Board) قبل بدء التصوير.

من مشاهد السلسلة

وإن كان ذلك قد ساهم في وصول الفكرة على نحو سلس وجذّاب، إلّا أنّ الاعتماد الكلّيّ على الدراما، في اعتقادي، أفقد السلسلة ارتباطها بالواقع في بعض الأحيان، ذلك الارتباط الكلّيّ الذي كان من شأنه أن يعطيها زخمًا أكبر، ويقرّبها من عين الحدث، ويخرج المشاهد من دائرة المتخيّل إلى دائرة الحقيقيّ، لا سيّما في ظلّ توفّر الآثار التي يمكن الاعتماد عليها وتصويرها في منطقة حطّين والقدس في فلسطين، وأنطاكية، وبعض المواقع في مصر.

مؤرّخون وباحثون

حملت أجزاء سلسلة ‘الحروب الصليبيّة’ عنوانًا خاصًّا: الصدمة، الصحوة، الوحدة، التطهير. يتناول كلّ جزء فترة تاريخيّة معيّنة ويعالج واقعها، مفسّرًا العوامل التي شكّلت ظروفها وأحداثها، مستعينًا بمجموعة كبيرة من المؤرّخين والباحثين بارزين، وقع اختيارهم بعناية فائقة بناء على درجاتهم الأكاديميّة وإرثهم العلميّ، واختصاصهم في تاريخ العالم الإسلاميّ وأوروبّا في العصور الوسطى، والواقع السياسيّ الراهن، لعلّ أهمّهم المؤرّخ المصريّ المعروف، د. قاسم عبده قاسم، والباحث والمحلّل السياسي الموريتانيّ، المهتمّ بالتاريخ السياسيّ والعلاقات بين العالم الإسلاميّ والغرب، محمّد بن المختار الشنقيطي.

من كواليس التصوير

وقد وزّع معدّ الفيلم المؤرّخين والباحثين على مختلف المناطق الجغرافيّة ذات العلاقة بـ ‘الحروب الصليبيّة’، مثل فلسطين، ومصر، ولبنان، وأوروبّا، التي شارك منها 25 مؤرّخًا وباحثًا. الأمر الذي جعل مادّة الفيلم غنيّة ومنوّعة وعميقة.

تاريخ وواقع

تربط السلسلة بين الحدث التاريخيّ وواقع الأمّة العربيّة اليوم، وتقارن بين حقبتي الحروب الصليبيّة والاحتلال الإسرائيليّ لفلسطين، والظروف التي مهّدت لكلا الغزوين. وتتطرّق السلسلة إلى دور حلب المركزيّ في تلك الحقبة، والتي كانت هدفًا للتقسيم في حينه، مسلّطًة الضوء على علاقاتها مع كلّ من الموصل التي تنتهك اليوم، وبلاد الترك، وأثر تلك العلاقات على المنطقة كلّها. لذا فالسلسلة ليست مجرّد استعراض لتاريخ ولّى، بل لتلفت انتباهنا إلى حجم التشابه بين حقبتين.

وتؤكّد السلسلة على أهمّيّة مصر في قيادة حركة النهوض، مصر التي يحاول الفيلم إبراز ما كانت تعانيه من مؤامرات ودسائس، وقد كانت، في النهاية، محطّة الانطلاق لتحرير المنطقة من الصليبيّين والمغول.

إعداد الشخصيّات

يبدو واضحًا، أيضًا، أنّ توقيت عرض السلسلة اختير بعناية، فقد جاء متزامنًا مع المعارك في الموصل وحلب، ناهيك عن التصعيد ضدّ مدينة القدس المحتلّة، وكذلك ما تتعرّض له تركيا من دسائس ومؤامرات، وأخيرًا حالة مصر وترهّلها وإقصائها عن دورها المحوريّ في ظل الانقلاب العسكريّ.

ثغرات

وعلى الرغم من محاولة الخروج بعمل فنّيّ إبداعيّ متقن، إلّا أن العمل لم يسلم من ثغرات عديدة، أهمّها عدم حياديّته واللعب على وتر العواطف بشكل كبير؛ يظهر ذلك من خلال اعتماد نصّ التعليق على عبارات تصف البابا بالشرّ، وإثارة العاطفة الدينيّة على ضوء الصراع، دون الوقوف على أوضاع المسيحيّين في المشرق قبل بدء الحملات الصليبيّة.

ويؤخذ على الفيلم أيضًا تركيزه الكبير في عرض أسباب انهزام المسلمين أمام الصليبيّين على مزاج الحكّام وطبائعهم، بين خائن وبطل وجبان، بينما لا يقبل التاريخ والبحث الرصين هذا المنطق بشكل مطلق، دون تسليط الضوء على الأوضاع الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والفكريّة التي كانت في تلك الفترة، وهي الأسباب الحقيقيّة.

من مشاهد السلسلة

رسالة

السلسلة، وإن كان تتّسم بطابع رومانسيّ أكثر ممّا يقتضي الواقع، لا سيّما أنّ مخرجها ركّز على فكرة الصراع بين الخير والشرّ، إلّا أنّها تحمل في طيّاتها رسالة سياسيّة وثقافيّة للمشاهد العربيّ، في زمن تداعي دولهم ومحنة أمّتهم، مفادها أنّ الأحداث التاريخيّة تتشابه، وأنّ ما نعيشه اليوم ليس جديدًا تمامًا، وقد كان للعرب والمسلمين سابق عهد معه، فهذه حلب تباد، ويتآمر على سقوطها العرب قبل الغرب، وتلك الموصل تحرقها المؤامرات، وهذه تركيا تتخبّط شرقًا وغربًا، وتغرق مصر في الاستبداد والأزمات والصراعات الداخليّة، بينما يستفرد الاحتلال بالقدس ويريق الدماء، لكن على الرغم من كلّ ذلك، ومن استفراد الصليبيّين بمقدّرات الأمّة قرابة الـ 200 عام، إلّا أنّ النهوض كان هدفًا قابلًا للتحقيق.

تسعى السلسلة إذن إلى التأكيد على أنّ الإرادة والصبر والثورة تؤدّي إلى انتصار الشعوب على الظلم، وأنّ المشروع الصهيونيّ في أرض فلسطين امتداد لمشروع ‘الحروب الصليبيّة’، الذي تبنّاه الغرب وسلّمه مفتاح ‘الأرض الموعودة’.

 عن الكاتب

محمّد خيري

صحافيّ من باقة الغربيّة، فلسطين؛ مهتمّ بالشؤون الإسرائيليّة وشؤون فلسطينيّين 48، راصد للإعلام الإسرائيليّ. يقيم حاليًّا في إستنبول، حيث يعمل في قناة RT العربيّة. حاصل على البكالوريوس في الإعلام من الجامعة العربيّة الأمريكيّة في  جنين، عمل في مجال إعداد الأفلام الوثائقيّة، والبحث، والإعلامين الإلكترونيّ والمرئي.

لمشاهدة الحلقات كاملةً بجودة عالية جداً:

الحلقة الأولى (رابط):

الحلقة الثانية (رابط):

الحلقة الثالثة (رابط):

الحلقة الرابعة (والأخيرة) (رابط):

Fill out my online form.

منتجات مميّزة قد تهمّكم


عن الراصد (معاذ خطيب)

الراصد - معاذ خطيب، مدوّن وناشط سياسي واجتماعي وأكتب في النقد الاعلامي والسينمائي. أعمل في الترجمة والتدقيق اللغوي وادارة العلاقات العامة. مسلم فخور بإسلامه، واتشرف دائما بإظهار محاسن الاسلام وبتصحيح مفاهيم مغلوطة عنه. إن اردت معرفة تفاصيل اخرى مهمة جدا، مثل لماذا يكرهني محبّو اللون الأحمر ، افتح ملفّي الفيسبوكي في الرابط الّي تحت هذا السطر. مدوّناتي الاخرى هنا: http://Al-Rasid.com

شاهد أيضاً

in between film

فلم برّ وبحر -2016- الصدمة دون المضمون والإنحلال والدّعارة كحلّ

فيلم مخيّب للآمال. .. لن أزيد كثيرًا، فالكلام يطول جدًا في هذا المضمار، وددتُ أن تكون باكورة الانتاج المحلي مشرّفًا وأكون له من الداعمين، لكنه اعتمد على مبدأ الصدمة دون المضمون .. وطرح الإنحلال والاتجاه نحو الدعارة والحريّة المطلقة كحلّ مثالي! وآسفاه !

ما رأيك بما قلتُه؟ أسعدني برأيك !!